لماذا فنون أطفالنا ؟

لماذا فنون أطفالنا:
تعتبر مرحلة الطفولة المنبع الأساسي للشخصية الإنسانية ، والعمل على تشكيل شخصية سوية لابد وأن يبدأ من المنبع ، فالطفل البشري بطبيعة تكوينه يمتاز بالضعف وبطول فترة طفولته مقارنة بطفولة غيره من الكائنات الحية الأخرى، وما يمتاز به من تعقد في السلوك الإنساني والذي يحتاج بالضرورة إلى الاهتمام ، فالاهتمام بمرحلة الطفولة بكل أبعاد النمو الجسمي والنفسي والعقلي والانفعالي والاجتماعي والعمل على جعلها طفولة سوية من أهم خطوات نجاح وتوافق شخصية الفرد.
وعندما يحاول الطفل التعبير عن مشكلاته وأفكاره فنراه يسلك في ذلك سلوك غير مباشر بعيداً عن التعبير اللفظي ، كالتعبير الجسدي أو البكاء والصراخ، أو أن يستخدم الأنشطة الفنية للتعبير عن ما بداخلة، وأقوى تلك الأنشطة هو الرسم ، في هذه الحالة يكون الرسم لغة وليس شكل.
وعندما نقول إن الرسم لغة، فالمراد بكلمة لغة القدرة على استعمال علامة شفهية أو مكتوبة أو مرسومة لتحديد حقيقة يكون لها مفهوم معين عند الفرد.
فالرسم، بالنسبة للطفل، لغة لنقل بعض المعاني والأفكار، فاللغة أصلا وسيلة لنقل المعرفة والمعاني من شخص لآخر، فالطفل حين يرسم لا يهتم بالمعاني الجمالية في معظم الأحيان بقدر اهتمامه بإرسال رسالة للشخص الذي أمامه ، حيث يهتم الأطفال بالرسم منذ نعومة أظفارهم فهم يرسمون على الأرض والحائط والورق .
إن دراسة فنون الأطفال ليست بالدراسة القديمة العهد إنما هي من الدراسات التي يرجع تاريخها إلى ما يقرب الخمسين أو الستين عاماً ، والسبب في ذلك يرجع إلى ما كانت عليه النظرة بالنسبة للطفل كعامل لا قيمه له في عمليه التعليم، أما عندما تغيرت النظرة وأصبحت اتجاهات الطفل وميوله من العوامل التي لا مفر من تجاهلها أو التغاضي عنها ، يومئذٍ اتجهت أنظار العلماء إلى دراسة فنون الأطفال كمظهر من مظاهر حياتهم .
واستمرت هذه الدراسة إلى يومنا هذا منها ما يتصل بالعلاقة بين ذكاء الطفل وقدرته على التعبير الفني ، وما يتصل بقدرة الطفل العضلية وأثرها في التعبير ، وما يتصل بخصائص الطفل واتجاهاته عند التعبير في كل مرحله من مراحل نموه ، وإلي جانب الناحية الفنية والجمالية والإبداعية لرسوم الأطفال فإن هناك دلالات نفسية لما يقومون برسمه ، حيث يمكن تحديد مشكلات الطفل واضطراباته النفسية من خلال رسومه ، كذلك يمكننا تحديد ملامح شخصية الطفل وخصائصها من خلال رموز بسيطة في رسمه ، تلك الملامح التي تشكل اتجاهات سلوك الطفل مع المحيطين به .
فمشاكل السلوك هي أكثر ما يشغل بال المعلمين والآباء والمهتمين في مجال التربية ، وقد يكون المربي في بعض الأحيان مسبباً لتلك المشكلات السلوكية للأطفال ، لذلك فإن أساليب تعديل السلوك التي استخدمت بشكل كبير في أمريكا وأوروبا وأثبتت نجاحها ، تمد المربيين بمعلومات على غاية من الأهمية في كيفية التعامل مع الأطفال بشكل علمي بعيداً عن العشوائية والتجريب.
وعلى كل من يتعامل مع الأطفال تعامل مباشر أن يدرك أن تلك الرسوم ما هي إلا ترجمة لما يدور بداخل الطفل وأن يعي أن رموز الطفل في رسومه من أكثر الأشياء التي تدلنا على مشاعر الطفل وأحاسيسه ، والتي تعتبر ترجمة لسلوكه مع المحيطين.
لذلك يعد هذا القسم (فنون أطفالنا) بمقالاته إضافة جديدة والتي يمكن أن تساعد الأمهات وأولياء الأمور ومشرفي دور الحضانة ، والمعلمات في الفصول الابتدائية الأولى وكل من يتعامل مع الطفل تعامل مباشر أن يستطيعوا فهم رموز رسوم الأطفال وألوانه وتحليلها والتي تعتبر بداية تشخيص لأي اضطراب نفسي قد يمر به الطفل ،واستخدام الأنشطة الفنية في تعديل هذا السلوك للوصول بالطفل إلى أعلى قدر من التكييف مع المحيطين به.
سيقدم (فنون أطفالنا) مقالات مسلسلة لموضوعات تشمل كل ما يتعلق بفن الطفل وإبداعه ، ابتداء من نظرة استهلالية عن مفهوم التعبير الفني عموماً والتعبير الفني عند الأطفال ، وكيف يعتبر الرسم والتعبير الفني عند الطفل لغة شكلية للتعبير عن ما يعجز عن الإفصاح عنه باللغة اللفظية ، ودوافع الأطفال للتعبير الفني أو الرسم، مع توضيح أهم الدوافع النفسية والحركية التي تدفع بالطفل إلى الرسم أو التشكيل أو ممارسة الأنشطة الفنية المختلفة، كذلك مراحل النمو الفني للطفل ، تلك المراحل الفنية في حياة الطفل والتي تعكس نموه النفسي والجسمي والعقلي المعرفي ، والتي تعتبر أساس للحكم على نمو الطفل نفسياً وعقليا وجسميا بشكل سليم ومتناسب مع نموه العمري ، وإلقاء نظرة عامة على خصائص رسوم الأطفال في أعمار مختلفة.
كما تأتي موضوعات لتوضح دور المربي تجاه الطفل وتعبيره الفني ورسومه في كل مرحلة من مراحل الطفل الفنية ، ونلقي الضوء على أهمية دور المربي في مساعدة الطفل في الانتقال من المرحلة الفنية إلى المرحلة التي تليها، كذلك تفهم طبيعة رسوم الطفل تبعاً لمرحلته الفنية وملاحظة أي انحراف عن الأساس وتشخيصه.
كما سيضع (فنون أطفالنا) بصماته على أهم خصائص رسوم الأطفال وتحليل دلالتها النفسية، مع توضيح أهم العناصر والأسس الفنية التي يجب ملاحظتها عند تحليل رسوم الطفل من حيث حجم العناصر في الرسم وتفاصيل الرسم وتظليل العناصر ومكان رسم العناصر في مساحة العمل الفني ، كذلك مواصفات الشكل الإنساني في رسوم الطفل ومردودة النفسي لدى الطفل ،كذلك التحليل النفسي للألوان في رسوم الطفل .
كذلك يتناول بعض الاضطرابات النفسية والسلوكية لدى الأطفال ومردود تلك المشكلات في رسومهم والتي يمكن ملاحظتها من خلال تحليل رسوم الطفل وفهم أهم الرموز المتعلقة بكل اضطراب نفسي أو سلوكي، مع توضيح أهم مشكلات الطفولة مثل السلوك العدواني ، السرقة ، الغضب، الخجل، الخوف ،القلق ، سوء التوافق ، الانطواء ، واضطرابات النوم والتغذية .....والرموز الفنية في رسم الطفل والخاصة بكل اضطراب أو مشكلة نفسية ، والتي يعتبر فهمها الخطوة الأولى والرئيسية في تشخيص الاضطراب النفسي لدى الطفل ومن ثم تفسير سلوكه ، حيث يعتبر هذا التشخيص أساس لاختيار الأسلوب المناسب لتعديل سلوك الطفل .
وإلقاء الضوء على أهم طرق البحث في تعديل السلوك، حيث نوضح عملية تعديل سلوك الطفل من ناحيتين ، أولهما ملاحظة الظروف الاجتماعية المحيطة بالطفل والتي سببت تلك المشكلات والاضطرابات النفسية ومحاولة تعديل وتغيير تلك الظروف لمساعدة الطفل على الوصول إلى السواء في سلوكه مع المحيطين ، واستخدام الأنشطة الفنية في تعديل سلوك الطفل من ناحية أخرى.
وكذلك تناول خصائص رسوم الطفل الموهوب والمتخلف عقلياً، حيث يوضح (فنون أطفالنا) كيف نكتشف الطفل الموهوب ليس في المجال الفني فقط ولكن في كل المجالات ، كذلك اكتشاف الطفل المتأخر عقليا أو دراسيا من خلال رسمه ، وفي هذا محاولة ربط بين مستوى التعبير الفني للطفل في رسمه وبين مستوى ذكاءه ، والكثير من الموضوعات التي تتعلق بفنون الأطفال وكل ما يرتبط بها في حياة الطفل.
فنحن نسعى إلى مساعدة المربيين لمنح البشرية أطفال أصحاء أسوياء لا يعانون من المشكلات التي تعيق توافقهم وتزرع فيهم البذور الصحيحة لتثمر ثمار الإبداع والتفوق ، وتربية جيل صالح خاليا من الاضطرابات والتطرف ونشجع فيهم المحبة والعطف والرحمة والإيثار والعواطف الإيجابية التي تبني بها المجتمعات وتتقدم بها الأمم


د. شيماء أحمد هلال